هُنا تولَدُ الأحلام ..

من قلب تلك العتمة ينبثقُ النور .. مر زمنٌ طويل لم ألمحهُ حتى خِلتُه سراباً. يبدو الطريقُ طويلاً ، بل قد يكونُ أقربَ للوحشة. متعبٌ حتى ظننتُ أني لن أجدَ منه مخرجاً. ولكنّ الأحلامَ تدفعني للمسير ، و أمنياتُ الأمس باتت أقرب للواقع. حرفٌ واحد سيأتي ليسبقَ اسمي ، ليبعثَ فِيّ روحاً جديدة تتعلّقُ بطرفها أرواحٌ .. و حيواتٌ أخرى.

ما الذي يحمِلني على تحقيقِ تلك الأمنيات - وأنا التي لم تكُن كُلّ أمنياتها واقعاً -؟ و من أين أتت الخُطوة الأولى؟ وكيف اخترتُ الطريق!
قضيتُ أياماً كادت أن لا تنتهي بحثاً عن الاجابة. ولكنّه كان اختيار الله أن أكونَ بلسماً ، و قضاءُه بأن يدُلّني على الطريق. كان الشغَفُ يمنعني عن الرحيل رُغم المُرّ الذي كانَ جليّاً ، و عجزِي عن تصوّر نفسي في غير هذا المكان يشُدّ عزمي. قد زرعَ الله في قلبِي حُبه ، حتى بدا لي بأنه المكانُ الوحيدُ الذي خُلقتُ من أجله .. بأنه هو ذاته الحُلمُ و الطريقُ و الوسيلة .. والغايةُ المنشودة من بقائي.

ما دُمت تقرأ هذه الكلمات فهذا يعني بأنك تُشاركني تلكَ الأُمنية. بظهركَ الذي باتَ يؤلمُك مِن الجلوسِ ساعاتٍ طوال ، يداكَ التي آلمتكَ من ثِقل الكُتب. بنومِك المُتقطّع وشرودِك الدائِم .. و حياتُكَ التي وضعتها على الرفّ حتى يعيشَ بها مريضٌ تنقذهُ يوماً. فتأتيك البشارةُ كمطرٍ يهطلُ على روحِك حينَ تصابُ بالجفاف ، كطعمِ السكّر في قاعِ كوبِ قهوةٍ مُرّة ، تأتيك البشارةُ بأن عملكَ يوماً لم يذهب سُدى.

وحينَ تقتربُ من النهاية ستُعيدُ لنفسك الاسئلة ذاتها التي ابتدأت بها .. هل يُعقل أن تفعل الأمنياتُ ذلك؟
و إن لم تكُن الأمنيات وحدها من تفعل فَلِمن يعود الفضلُ في حثّي على المسير؟
إلى الأعوام الطوال التي تسكن بين الحروف الأولى التي تعلمتها ، و حروف القسم التي سأتلوها يوماً. إلى كل الابتسامات التي سأرسمها ، و دموع اليأسِ والحزنِ التي سأمسحُها. إلى كُل الجروحِ التي ستندَمِل يوماً حين أعالجها. إلى كل العقباتِ التي ستكونُ ذكرى لتؤنسني يوماً ، وكل الطرقاتِ التي لم تكن محفوفةً بالورد دائماً ، إلى الرفاقِ الذين كانوا أقربَ من النفس. إلى يومٍ سيسألني الله فيهِ عن معطفٍ أبيضٍ ارتديتُه. إلى همساتِ أمي التي كانت نوراً انبثق في تلك العتمةِ مُنذُ اللحظة الأولى ، حين تلتها كَتعوِيذة: "ستُصبحين طبيبة".


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السنة الأولى: طب عام و جراحة - جامعة الملك فيصل

تجربة الدراسة: سنة ثالثة في كلية الطب

السنة التحضيرية: طب عام و جراحة - جامعة الملك فيصل