اليومُ الأول و المواجهةُ الكبرى..

أمضيتُ اثنا عشرة عاماً لا أستطيعُ تذوّق طعم النوم في يومي الأول من كلّ عام. اثنا عشرة عاماً مضت .. ولكنّي نمت ليلتها قريرة العين. سكَنت قلبي طمأنينةٌ لا حدّ لها حتّى أفزعتني عصافيرُ 
الصباح !

عامٌ انقضى و كأنه البارحة ، بل بضعُ سويعاتٍ تفصلني عن كلّ ما حدث. عن يومي الأول و فزعي في البحث عن وِجهتي الأولى. خمس دقائقٍ كانت تفصلني عن التأخيرِ الأول حتى وصلت. ثلاثون وجهاً غريباً يحدّق في تلك الفَزِعةِ المتأخرة و شقراء أمريكية تحيّيني بلكنةٍ لم أعتد استماعها في الصباح.

أمضيتُ الساعات الأولى أحاول التصديق بأنني منذُ اليوم لن أسمعَ العربيّة أو أتحدّثها إلا لماماً. و بأن الأوجهَ الغريبةَ الثلاثين ستصبحُ جزءاً من تجربةٍ لا تُنسى أبداً. أبديتُ إعجابي بكل ما يحيطني وقضيتُ اليومَ الأولَ أحملُ في قلبي كلّ الحبّ. نظرتُ كثيراً واستمعتُ أكثرَ إلى أن حانَ وقتُ حديثِي. لمْ أعلم ما الذي يُمكنني أن أقوله عن نفسِي سوى أنني نذرتُ ما عِشتهُ من عُمري وما تبقّى منهُ لأسبقَ اسمي بحرفِ الدالِ تتبعهُ نقطة.

منذ اليوم الأول: رأيتُ الدنيا غيرَ الدنيا و الناسَ غير الناسَ ، رأيت أكفّ الدعاءِ التي تحيطُني بها أمي صباحاً ، و ابتساماتِ من سبقوني ، تمتماتٌ تتبعني " تلك هي الخليفة لنا" ، رأيتُ ما لم يمكن لعقلِي أن يحفظهُ فحفظتُه في قلبي أبداً.

و حينَ انتهى يوميَ الأوّل ، علمتُ بأنّ البدايات تشبه بعضها .. و أن النهايات هي اسم آخر يحمل في طيّاته بداياتٍ جديدة. علمت بأن أكف الدعاء ، الغرباء المبتسمون ، التمتمات ، هي محضُ أشياء بدأت ولن تنتهي أبداً.

عدتُ إلى المنزل مشدوهة ، أحمل كلّ معاني الدهشة بابتساماتٍ متقطّعة توقظني من أحلامِ اليقظةِ التي كنتُ أعيشها. أعدتُ تفاصيلَ يومي في عقلي مرةً واثنتينِ وثلاثة. ومنذُ ذلك اليومِ إلى الآن و أنا أستعيدها بدهشةِ المرة الأولى.

نقطة في آخر السطر:
حافِظ على دهشتك الأولى ، اصنع لنفسكَ ذكرى تعيشُ بداخلكَ كطفلٍ لا يشيخ أبداً. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السنة الأولى: طب عام و جراحة - جامعة الملك فيصل

تجربة الدراسة: سنة ثالثة في كلية الطب

السنة التحضيرية: طب عام و جراحة - جامعة الملك فيصل