كَانَ الطِّبُّ قَدَراً

حين قررت أن أبدأ الكتابة لم أعلم من أي نقطة أستهلّ حديثي .. لأنني وبكل بساطة لم أعرف منذُ متى و أنا أحملُ حلمي على عاتقي و أسير. يبدو الطريق طويلاً جداً و كأنني أخطو فلا أصل أبداً. يبدو متعباً وقوفِي على الحافة. لم أعلم منذ متى و أنا أحلم لكن زمناً طويلاً جداً مضى مُذ توالت إليّ أولى همساتِ أمّي "ستصبحين طبيبة". منذ ذلك الحين و حلمي يقُض مضجعي. يرافق أنفاسي حتى خلته هو الهواء نفسه.

قبل عامٍ و أكثر من حديثي هذا زار حُلمي رفيقٌ جديدٌ يُدعى "قلق". ثلاثة آلاف نفسٍ ويزيدون ، كان العدد المتوقع لمن ينافسني الوصول. ثلاثة آلاف خيبةٍ توالت حين وُضعت أمامنا العقبة الأولى. مقياسٌ جديدٌ يقف بيني وبين حُلمي. لم أنسَ أبداً المواجهة الأولى ، الخطوات الخائفة ، وطعمُ الدموع المالحة. عدتُ و أنا أجرّ سرابيل حِدادي. أخبرتُ الجميع يومها "يبدو أن حلمي بعيد جداً و يبدو أن خطواتي لن تنتهي". قضيت ليالٍ طوالٍ و أنا أبتهل إلى الله ، أعلم بأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه ، وأعلم - الآن - بأن الله أحبني جداً بشكلٍ مؤلم.

حزمتُ بقايا حُلمي وعزمتُ الرحيل. كنت أقضي أياماً أسأل فيها نفسي " لمَ اختار لي الله هذا الطريق؟ و إن كنتُ أهلاً له فلمَ غُلِّقت في وجهي الأبواب؟". أسئلة كثيرة وحزن يزاحمها. يعتريني هاجسٌ مخيف ، إن لم يكن هنالك مكانٌ لي في هذا العالم بزيٍّ أزرق و معطفٍ أبيض فأين سأذهب؟ وماذا سأفعل؟

كان خوفي يتغلّب على يقيني فاخترت أن أبتعد. أن ألحق سراباً قد يوصلني إلى حلمي يوماً "مع علمي بأنه لن يفعل". رويتُ عطشَ هجرٍ بدمعٍ لا حد له. بكيتُ خيبة رحيلي و حُلمي المقتول في مهد قبل أن يبصر النور ، بكيتُ خوف أمي و قلق إخوتي و فشلي. وحين كاد اليأس أن يُهلكني ، انتشلتني عنايةُ الله لتذكّرني بحجمِ تقصيري.

لم أشعر يوماً بالزمن المنقضي بين إعلان القبول الأول و خطوتي الأولى كطالبة طبّ في أروقة الجامعة ، لم أذكر كيفَ بكيتُ ، كيف سجدتُ ، و لم أعلم لِم لا يزال بريق الدمع في عينيّ كلما أخبرتُ أحدهم بأني خطوتُ أولى خطوات حلمي و أنا الآن في طورِ تحقيقه.

اختارني ولم أدرِ لمَ ، اثنا عشرة عامٍ انقضت و أنا أملك جواباً وحيداً " كان الطب قدراً ، لم يكن محض صدفة".

نقطة في آخر السطر:

ابحث عن حُلمك الذي قُدِّر له أن يقضّ مضجعك و امشِ في طريقه منذ اللحظة. انهض بعد كلّ سقوط -حتى و إن كنتَ وحيداً- ، كن أنت يدَ العون -الأولى- الممتدة نحوك. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السنة الأولى: طب عام و جراحة - جامعة الملك فيصل

تجربة الدراسة: سنة ثالثة في كلية الطب

السنة التحضيرية: طب عام و جراحة - جامعة الملك فيصل