المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, 2018

محاضرة التشريح الأولى "حيثُ انتَظَرتُ الجُثث!"

كنت أظنّ الأمر بالسهولة التالية: أُقبَل في الكلّية ، تُسجّل لي مادّة التشريح ، أدخلُ المعمل لأجدَ الجُثّة ترقد في سلامٍ منتظرةً إيّاي أن أعبث فيها بمبضعٍ - لا أعرف حقيقةً كيفَ سأُمسكه في المستقبل بشمالي - ، ولكن الأمر لم يَكُن كذلك أبداً. في طريقي هذا: حتّى لقاءُ الجثث يتطلّبُ بعضَ العنَاء. بدأتُ أتقبّل الأمر على مَضضٍ و أشكو لجميع من أراه "كيفَ لي أَن أدرس التشريح بلا جُثّة موضوعة أمامي؟". دخلتُ المحاضرة الأولى و فتنَني ذاكَ المنظَر. كطالبٍ لم يسبِق لكَ دخولُ الحرمِ الجامعي يحقّ لك أن تسلبَ قلبك الدهشة حين تنتقل من قاعة لا تتسع إلا لثلاثين مقعداً ، إلى مدرّج تشاركُه مع المِئات. " إذاً أنا هُنا ، مع مائة و ثلاثون طالبة تشاركني حُلمي ، هنا تبدأ الأمور بالوقوع حقيقةً". تملّكتني الثقة بالنفس - وهي نفسها - التي أغفلتني عن رؤية الطبيبِ المُحاضر حين دخوله. وبحكمِ خبرتي في التعامل باللغة الإنجليزية - والتي تجاوزَت مدّتها يوماً و نِصف - كنتُ أعتقد أن الأمور ستكون سهلة - جداً -. لم أدرِ متى بدأت الأمور تتعقّد و متى استُبدِلت الإنجليزية باللاتينية. ولم أعلم هل ك...

اليومُ الأول و المواجهةُ الكبرى..

أمضيتُ اثنا عشرة عاماً لا أستطيعُ تذوّق طعم النوم في يومي الأول من كلّ عام. اثنا عشرة عاماً مضت .. ولكنّي نمت ليلتها قريرة العين. سكَنت قلبي طمأنينةٌ لا حدّ لها حتّى أفزعتني عصافيرُ  الصباح ! عامٌ انقضى و كأنه البارحة ، بل بضعُ سويعاتٍ تفصلني عن كلّ ما حدث. عن يومي الأول و فزعي في البحث عن وِجهتي الأولى. خمس دقائقٍ كانت تفصلني عن التأخيرِ الأول حتى وصلت. ثلاثون وجهاً غريباً يحدّق في تلك الفَزِعةِ المتأخرة و شقراء أمريكية تحيّيني بلكنةٍ لم أعتد استماعها في الصباح. أمضيتُ الساعات الأولى أحاول التصديق بأنني منذُ اليوم لن أسمعَ العربيّة أو أتحدّثها إلا لماماً. و بأن الأوجهَ الغريبةَ الثلاثين ستصبحُ جزءاً من تجربةٍ لا تُنسى أبداً. أبديتُ إعجابي بكل ما يحيطني وقضيتُ اليومَ الأولَ أحملُ في قلبي كلّ الحبّ. نظرتُ كثيراً واستمعتُ أكثرَ إلى أن حانَ وقتُ حديثِي. لمْ أعلم ما الذي يُمكنني أن أقوله عن نفسِي سوى أنني نذرتُ ما عِشتهُ من عُمري وما تبقّى منهُ لأسبقَ اسمي بحرفِ الدالِ تتبعهُ نقطة. منذ اليوم الأول: رأيتُ الدنيا غيرَ الدنيا و الناسَ غير الناسَ ، رأيت أكفّ الدعاءِ التي تح...

كَانَ الطِّبُّ قَدَراً

حين قررت أن أبدأ الكتابة لم أعلم من أي نقطة أستهلّ حديثي .. لأنني وبكل بساطة لم أعرف منذُ متى و أنا أحملُ حلمي على عاتقي و أسير. يبدو الطريق طويلاً جداً و كأنني أخطو فلا أصل أبداً. يبدو متعباً وقوفِي على الحافة. لم أعلم منذ متى و أنا أحلم لكن زمناً طويلاً جداً مضى مُذ توالت إليّ أولى همساتِ أمّي "ستصبحين طبيبة". منذ ذلك الحين و حلمي يقُض مضجعي. يرافق أنفاسي حتى خلته هو الهواء نفسه. قبل عامٍ و أكثر من حديثي هذا زار حُلمي رفيقٌ جديدٌ يُدعى "قلق". ثلاثة آلاف نفسٍ ويزيدون ، كان العدد المتوقع لمن ينافسني الوصول. ثلاثة آلاف خيبةٍ توالت حين وُضعت أمامنا العقبة الأولى. مقياسٌ جديدٌ يقف بيني وبين حُلمي. لم أنسَ أبداً المواجهة الأولى ، الخطوات الخائفة ، وطعمُ الدموع المالحة. عدتُ و أنا أجرّ سرابيل حِدادي. أخبرتُ الجميع يومها "يبدو أن حلمي بعيد جداً و يبدو أن خطواتي لن تنتهي". قضيت ليالٍ طوالٍ و أنا أبتهل إلى الله ، أعلم بأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه ، وأعلم - الآن - بأن الله أحبني جداً بشكلٍ مؤلم. حزمتُ بقايا حُلمي وعزمتُ الرحيل. كنت أقضي أياماً أسأل فيها ...